لأني دوماً و أبداً أعشق التحليق و الغيم و البياض !
و لأني دوماً أحتاج إلى بوحٍ و بعثرة ..
و لأني دوماً ذات صمت ..


لأني كـ طير ،
يعشق الإختباء في حنايا غيمة بيضاء ..


سأكون هُنا بـ نقاء !

.

.











يكفي بأنِّي مُذ وجدتكِ ..
صرتُ أعرفُ ما أريدْ
وَ وَجدتُ روحي خلفَ بسمتكِ التي ..
صارَتْ مَعَ الأيامِ عيدْ
بالله قُل لي ..
كيفَ أحلمُ بالمزيد ؟
الروح أنتِ ..
و أنتِ أجملُ ما أريدْ
أنتِ الحياةُ .. بِـ كُلِّها
هل بعدَ هذا مِن مَزيدْ ؟


لـ ميسون السويدان وَ محمد صوفي



مُذ أتيتِ يا توأمي توقَّفتِ الأشياءُ عن المَجيء .. أو أنها لمْ تَفعل ؟ لا أعلمْ ! لكني بالتأكيد تَوقَّفتُ عن مُلاحظتِها ؛ مُذ جئتِ يا توأمي .. أتاني الأمانُ طوعاً وَ وَصَلت رحلَتي التي لَطالما ارتَقبتُها ، رحلةٌ .. أوضِّبُ فيها أحلامي وَ أفراحي وَ أتراحي .. ضَحكاتي وَ دَمعاتي .. ابتساماتي وَ آهاتي ، رحلةٌ أجِدُ فيها ذاتي التي سَقَطت مني سهواً في طريقي إليكِ .. سَقَطت مَع كل أملٍ احتوته أضلعي !
الموتُ وَ الخواءْ هُما ما حرَّضاني على الإنتظار كلَّ تلكَ السَّنواتِ العِجافِ التي سَبَقت مجيئكِ ـ كنتُ بانتظارِ أن أجد روحاً أحيا بها ، وَ وجدتُها فيكِ !
العام الذي جئتِ إليَّ بهِ كانَ عامَ غيثٍ أزهرَ بهِ عُمري ، أغثتِ به قلبي الذي أوشكَ على المَوتِ حالِكاً مُمزقاً ، يدكِ الرقيقةُ التي امتدَّتْ إليَّ انتَشَلَتني إلى عالمٍ أجمَلْ .. عالمٍ دافئ .. عالمٍ خالٍ منَ الخواءِ وَ الوحدة .. إلى عالمٍ يزهو بكِ !
بقربكِ ـ يا ربيعَ العُمرِ ـ نَمَتْ كلُّ أحلامي .. حبكِ الدافئ سَقانِي حتى ارتويتُ وَ ارتوَت هيَ هي فزاحمتِ السَّماء الشاسعة حتى ضَايقتها ..
مذ أتيتِ وَ أنا لا أنتظِر .. لا أرتَقِبْ .. لا أتوَجَّسْ ؛ مذ أتيتِ وَ أنا أحيا .. يا مَلاتِسي !

أحبكِ .. يا ربيعَ العُمرِ !










أتأملني ملياً و لا ألمحني
أنظر إلي و لا أراني
أبحث عني و لا أجدني
تباً .. أين أنا ؟


هل سقطت سهواً مني في سنين
العمر الحزينة التي ماتت و
سرقت مني الروح فأذبلتني معها ؟
أم أن دمعاتي التي تسابق بعضها
هطولاً سرقت مني عيوني بكل بساطة ؟


 أنا لا أدري أين أبحث عني ؟
في عيون الراحلين ؟
في قلوب العاشقين ؟
في ضياع التائهين ؟
لم أجدني في الزوايا الغابرة .. !؟
في الجروح الغائرة .. !؟
أيمكن أن أكون قد ظللت الطريق ؟
و ربما سقطتُ سهواً في الهاوية !


إني امتلأت ضياعاً
خبروني .. أين الطريق إلي ؟
لأني تائهة !





و تَتَحدر دَمعاتي تُجرِّح وَجنتاي في طَريقِها إلى الهُطول ، يَذوي وَجهيَ المُحمَرُّ وَ أنْفي الذي صارَ إثرَ البُكاءِ أكبَرْ ، وَ يَنقبضُ صدري فجأة ، وَ أشعُرُ بألمٍ حادٍ يُمزِّقُ قَلبي .. فأَبكي أكْثَر ، أشعرُ بالهَواء يَلفَحُ وَجهي وَ لا يكادُ يصِل رِئَتاي ، و أشعُرُ بالرَّغبة في الصراخِ كَبُركانٍ هائجٍ لا يعرِفُ للهُدوءِ أيُّ مَعنى ، أشعُرُ بالرُّوحِ في داخِلي تَحتَرقْ كَحممٍ مَصهورة.

أشْعُر فجأة برغْبةٍ في السُّكون ، أن أجْلِسَ بِلا حَراكٍ ، بِهَينومي بِهَذَياني ، لا أفعَلُ أي شيءْ وَ أسمحُ للظَّلام بأن ينْهَشَني كَما يشاء وَ للأحزانِ أن تَلتَهِمني حيةً وَ دونَ أدنى مُقاومة تَقتُلُني !

أواري دَمعَتي لَئِلا يَشعروا بِلذة انْتصارِهِم ، وَ لكن الحُزنَ المُرتَسِمَ في عَينايَ يَفضَحُني ، و أجري هاربةً إلى أية زاويةٍ تَسعني وَ دموعي التي أنْوي تَفجيرَها فيها عَلَّها تُخمِدُ نيرانَ جوفي ، علَّها تُبقي لي شيئاً من الرَّمادِ المُحتَرقِ في داخِلي !





أفرطتُ في الخوفْ ! وَ آهٍ مِنَ الخوف الذّي يَسيرُ بِنا إلى طُرُقَ لا عَودَةَ مِنها ، إلى حُفَر لا خُروج مِنها ، إلى مَهالكِ لا نَجاةَ مِنها ، الخَوفُ الذي يَقضِي علَى كلِّ الأفْكارِ في رُؤوسِنا فِكرَةً فِكرةً ، الخَوفُ الذي يشُلُّ الكلماتَ على أطْرافِ ألسِنَتِنا كَلِمَةً كَلِمَة، إنه الخَوفُ مِنَ الخسَارة .. الخَوفُ مِنَ الفُقدان ، فُقدانِ مَن نُحِبْ !


جَرت الدّموعُ سُيولاً على خدِّي وَ جَعَلتْ مِنْ عَيناي بُقعَتانِ حَمراوَتانِ وَ خَرَجَ صَوتي مُتَحشرِجاً بأنِّي خاطِئةٌ نادِمةٌ آسفةٌ ، و لكنَّ الكَلمَة إذا مَا فَرَّت مِن بينِ شَفَتينا مَلكَتْنا ، فَمَلكَتني كَلماتي التي وَددتُ لو أنِّي ما تَعلَّمتُ الكَلام حَتى لا أنْبِسَ بِها ، لَيتَ بِوِسعي أنْ أُعيدَ الزَّمانَ دَقائِقَ للوَراء ، لنْ أفعَل الكثَير .. فقط سَأمسحُ الجزءَ الذي كَسَرتُ فيهِ قلباً حَتى كَسَرتُ قَلْبِي.




أعيروني زَاويةً شِبهَ مُظلِمة شِبه دَافِئة شِبه خَاويَة .. أبْكي بِها ! لا يَهم أنْ يَكونَ رَأسِي مَدْفوناً بَينَ رُكْبَتاي وَ أنَا مَحشُورَة في تِلكَ الزَّاوِيَة ، المهم أنْ أبْكي بِها كَطِفلة كَبيرة لمْ تعد تَهتم بِما يَدور حَوْلَها ، كَطِفلة تَحنُّ إلى رُوحِها التَّائهة فِي مَكانٍ مَا ، كَطفلة لَم تعُد تَفهم الحَياة التي تَحياها ! أريدُ أن أصْرخ بأني سئمتُ الإنكسار ، وَ بأنًّ ما كل الكُسور قَابِلة للجَبْر فَبعضُها لا يُرى و بعضُها الآخر لا يُشفى.

لا أعلمُ ما الذَّي قد حلَّ بي ؟ فكلُ الأصوات الحَنونةِ وَ كل العُيون اللامِعَة وَ كل الأحضانِ الدافِئةُ تُبكيني ! كل يدٍ تشدُ على يدي مُطمئِنَةً تُزَعزِعُني ! هَلْ أنا أتخيّل ؟ أمْ أنَّ الأشياء كُلها فعلاً تتحدُّ ضدِّي ؟ لمْ أعُد أعلمُ لمَ أنا أبْكي ؟ لَمْ يَعُد لدَي المَزيدُ مِنَ الأسبابِ كي أخْتلِقَها أعذاراً لِدُموعي .. كل مَا في الأمرِ أنّي تعديتُ حُدودي وَ أني أنهارُ دموعاً دموعاً ، مللتُ الإبتسامات الزائِفة وَ أنّي غبية .. جداً غبية ! و أني سامحتُ حتى أسأتُ لروحي وَ حطَّمتُ قلبي وَ أفنيتُ أيَّامي الجميلة أفكّر "ماذا جَنَيتُ ؟" .. تباً لماذا سكتُ وَ كأني رضيتُ ؟



بدأ يتخلله التستر و الصمت ، فاتتني صلاة العيد و هي البهجة الوحيدة التي يمكن أن أزهو بها في العيد ! ، لم أصحُ من نومي تعيسة .. لا أبداً لم يحدث هذا ! كل ما في الأمر أن يوم العيد يتفنن في تعذيبي بشتى ألوان الكآبة ، لا أدري لمَ ؟ ربما البعض ليس مقدراً لهم أن يكونوا سعداء بالطبيعة مثل بقية البشر .. أيكون هذا السبب يا ترى ؟ أنا حقاً لا أعلم ؛ و لكني لا أحب العيد .. لم أحببه يوماً .. مطلقاً ، اعتدتُ عليه و اعتاد علي أن لا نفرح معاً ، يبدو أني أنا و صديقي "العيد" لا نتوافق جيداً معاً ، قد يكون العيد مضاد حيوي للإكتئاب للكثير و لكن ليس لي ! لا لا .. أبداً ! ، لم أفكر يوماً بالسبب .. و لكني لستُ أكره العيد و أعترف بأني أراه مختلفاً عن بقية الأيام ، يراودني شعور بأن الشمس في هذا اليوم مختلفة و أؤمن بهذا الشعور ، و لكنه لا يسعدني .. ربما لا يعرف كيف يفعل ! .. هذا وارد ، أنا لا أدري ما السبب و لكني على يقين بأن العيد سعيد في كل مكان .. إلا قلبي !



أيام قليلة جداً هي التي بقيت تحول بيننا و بين الحبيب رَمضان ، صديقي الذي اشتقتُ إليه كثيراً ؛ مع رمضان .. أشعُرُ دائماً بأنني أتعرّى من جَسدي و أبْقى روحاً محضة ، بيضاءَ اللّون عمياء البَصرِ عميقةَ البَصيرة ، أشعر بما لا أشعرُ دونَ الحَبيب رمضانْ و أفهمُ ما لا أفهمُ بدونَه .
أنا جالسةٌ وحدي الآن و أفكر في احتِمالاتِ ألا ألقَاكَ صديقي القديم هذه المرّة ، ترى ماذا سيحدث لي ؟ لا أستطيعُ أن أتخيّل الأمر ، فقدْ أجلّت الكَثير من دعواتي لأنوح بها في لياليكَ يا رمضانْ ، و قدْ حَبستُ الكثير من الدموع التي أنوي أن أبلل بها أسحاركَ ، و قد خنقتُ الكثير من الكلمات لأهذي بها في تراويحي معكْ ، أرجوكَ تشبّث بي مثلما أنا مُتَشبِّثة بكَ ! رافقني كما أتوقُ لمرافقتكَ ..

أتوقَ لكَ يا صديقي هذه المرَّة أكثَر مِن كل المرَّاتِ السَّابِقاتْ ، لأن لي طموحاً عالية أرجو أن تُشاركني في تحقيقها.

أتساءل إن كان الهدف من رمضان أكثر من مجرد صيام و صلاة و طاعة و عبادة ، أشعر بأن جملة "خيرٌ كثير" التي يُرفقونها كثيراً برمضان تعني أكثر من مجرد الخير الذي يقتصرُّ على العادات عفواً أعني العبادات المُعتادة ، أعتقد بأن الله أرفق لنا مع رمضان سراًّ لمْ يفقهه الأغلبية حتى الآن ، أرجو أن أكونَ قد فعلتُ ، أرجو أن أكونَ على الطريق الصحيح.

رمضان ، أنتَ لستَ فقط شهراً .. أنتَ صديقي أيضاً.
أوقفتُ سَيّارتي عَلى جانِبِ الطَّريقْ ، أطفأتُ أضواءَها ، و غَمَرني الحُزنُ بِعمقٍ أكبَر و فكّرتُ في التّخلصِ مِنَ الوَرقة الحَمراءْ ..
رَفعتُ رأسي فإذا بابتسامةٍ تُضاهي البَدرَ جَمالاً تلوحُ أمامَ عَينايْ ، أخفَضتُ رأسي أتَأملُها في يَدي .. مَددتُ يدي مُمسِكَةً بِها إليهِ ، أخَذها .. وَ لامَسَتْ يَدي بالخطأ يَدُه وَ ضايَقَني هٰذا ، قال : "شُكراً .. أطالَ الله في عُمركِ" ؛ أنا لا أريدُ أنْ يَطولَ عُمري وَ لكني أشْعُرُ بِنَوعٍ مِنَ الرَّاحة لأنّي تَخلّصتُ مِنَ الوَرقة الحَمراءْ .. أرجو ألا أكونَ قَدْ أخْطأتُ في اختيارِهِ هوَ بالذاتْ ؛ أنا في الحَقيقَةِ لَمْ أخْتَرهُ .. أنا اخترتُ ابْتِسامَتَه !




لمْ أكُن أحاوِلُ أنْ أتَذكَّر ؛ أنَا عاجِزةٌ عَن النِّسيانْ !
وَ تَخنُقني الذكرَيات و تَكادُ تَقتُلُني اللهفة إلىٰ النِّسيانْ ، أدَعو الله ألفَ مرّة أن أفقِدَ الذَّاكرَة أو أن يَنمحي ماضيَّ ، لَعلي حينئذٍ أشعُرُ مُجددّاً بمَعنى أنْ أكونَ مِنَ البَشَرْ.
أشعُر بأنَّ هناكَ شيءٌ ما يُغطيني ، شيء يشابِهُ مَلمسُه الدَّنَسْ ، وَ أريدُ أنْ يُرخيَ الليل السُّدول وَ أريدُ أنْ أنامَ ألفَ عامٍ كي يَزولْ .
أفكرُ كُلَّ ليلةٍ بالسَّبب ، أفَتِّشُ في كلِّ الإحتمالاتِ عن الذّنبِ الذي قدْ أكونُ ارتكبتُه ، و لكنّي .. لا أجِدْ !
يخنُقني الصّمت ، و أشعرُ أحياناً بخوفٍ لا مبررَ لَهُ ، وَ أشعُر بالعارِ وَ لستُ أنا السَّببْ ، وَ أنزَوي في غُرفَتي في الليالي الحالِكة ، أبحثُ في كل الزّوايا عمّا فَقدتُ و أدعو مِن أعماقي يِحرارة أنْ أجِدَ خِلالَ بَحثِي ـ عمّا لنْ أجِد ـ بعضَ "الأمانْ" !
يوم الجمعة ، الساعة الحادية عشر ليلاً ؛ العاصفة الترابية لازالت على حالها و لكنني و هبة قررنا أن نجازف بعد أن أسأمتنا الساعات الخمس التي قضيناها بعيدتين عن بيتينا و أشعلتنا توتراً و قررنا أن نعود و لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا بإذن الله ، لازلتُ قلقة بشأن توأمي و الإتصالات التي تردني مُتتالِية تسأل عنها تزيدني قلقاً بشأنها و خوفاً عليها .. أخفي قلقي و خوفي أدفنهما عميقاً و أشتري لها سواراً لأقنع نفسي بأنّها بخير و بأنها بالتأكيد سَتعودُ سالِمةً مُعافاةً بإذن الله ، اتجهنا أنا و هبة إلى سيارتينا ، ركبت سيارتي و فَتحت الراديو عَلى قَناة الأخبار و كان أول ما التقطته أُذنايْ : "عبّارةٌ عَليها مِئة شخْصٍ عالقةً في البحر .. خفر السواحِلْ .."
فَتوقف قلبي عن النَبْض لوهلة ، ثم علا صَوتُ بُكائي و أخذتُ أنادي الله و أسأله الرّحمَة بصوتٍ عالٍ و قلبٍ مُحترِقْ ..!
الساعة ١٢ ليلاً ، فقدتُ صَبْري و زِمام دُموعي و أخذت أتصل بِمن أعرف و من لا أعرف و جميعهم حاولوا تهدئتي بكل ما يسعهن : شروق .. أفراح .. هبة .. كوثر .. حليمة .. انتصار .. و لا فائدة ، فالخوف كان قد استبد بي ، ثم .. 
- طوووط .. طوووط ..
- الو ؟ هلا
- رهف ! انتِ رايحة فيلكا معاهم ؟
- اي اي ..
جفّت دموعي فجأة ، ثم أكمَلَتْ :
- لا تحاتين كلنا بخير سارة توها نزلت و الحين أنا بنزل .. ما فينا شي ..
لا أذكر بمَ أجبتها و لكني بكيت بحرااااارة و حمدتُ الله كثيراً ثم اتصلتُ على توأمي فأجابت و قالت : "وصلنا و سجدنا كلنا سجدة شكر .. الحمدلله"
بعد ساعة و نصف تقريباً اتصلت بي مجدداً و كانت حينها في البيت و أخبرتني باختصار عما حدث لهم لكني لم أكن أصغي ، أنا كنتُ أبكي من أعماقي .

"الحمدُلله الذي ردَّ إليَّ توأمي ردّاً جَميلاً"
يا ربي لكَ الحمد حمداً كثيراً طيباً مُباركاً فيه !



لأنَّ قلبيَ الصَّغير قدِ انْكسَر ، وَ كَكُل القلوبِ الصغيرة : كَسْرهُ غيْر قابلٍ للجَبْر ، وَ لأنّ كل محاولاتي في تَجميعِ رُكامِه قدْ باءتْ بالفشلْ ، و لأنّ انكسارَه أفقَد عَيناي السَّيطَرة على مِياهها ، و لأن انكساره السّبب وَراء شَتاتي وَ خذلانِي ، و لأني رغم عُمري الذي أقْسم أنْ يَجْريَ بي جرياً لازلتُ غضَّة ، و لأن .. و لأن .. و لأن ..

أكرهكَ .. أكرهكَ .. أكرهكَ أكرهكَ أكرهكَ أكرهكَ أكرهكَ أكرهكَ .. أنا - بكلِّ ما أوتيتُ مـنْ مَشاعِر - أكرهكَ !
ماذا يعني أن يكون الإنسان متواضعاً ؟ أن يتنازل على الرغم من معرفته بأنه لا يجدر به ذلك : كأن أسأل "أحلام" إن كانت تريد الشاي بالحليب و أقدمه لها كلما اشتهت ذلك ، أو مثلما قامت "دومو هاجر" لتسلم علي رغم فرق السنون الأربعون بيننا !
تبدو "أحلام" بشكلٍ مضحكٍ جداً حينما تضحك مجاملةً الناس ، و لكنها تبدو جميلة حقاً عندما تضحك بصدق ، تأملتها و هي ترقص محمرة الوجه و تضحك ، "أحلام" طيبة و لكن من السهل جداً أن تنقاد وراء من يغريها بما تحب.
التفت إلى "ريم" فتصادمت أعيننا بنظراتٍ 
حادة ، أشحتُ بوجهي بعيداً بسرعة مدعية بأني لم أرها !
سحبتني "علياء" و أخذت تتحدث معي عن الجامعة و الدراسة و سيارتي الجديدة .. و لكني لم أكن أصغي إليها ، لا أعرف فيمَ كنتُ أفكر و لكني كنتُ شاردة ؛ لم أكنْ أفكر .. كنتُ أشتاق .
أهدتني "أحلام" سواراً من الياسمين ، إنها ورتني المفضلة .. ظللت أشمه و أستمع إلى : ( يا عروس الكون يا ضي العيون .. يا ملاك ينثر عطور الزهور .. يا عروس الكون يا نف المزون .. يا أميرة فاقت الحسن بظهور )
 دخلت على أنغامها "إيمان" بجمالٍ أخاذ على "ستايل" هندي فاخر ، ثم فجأة تعالت ألحان أغنية هندية و رقصة هندية مميزة جداً من صديقاتها الأربع ، يالها من رومانسية جميلة جداً ! ، كانت رقصة جميلة جداً تبعها تصفيق حار من الحضور من بينهم أنا ، ثم نهضت مع من نهض و تمايلت قليلاً مع إيقاع الأغنية التي تبعتها ثم جلست بقرب "نسيم" تبادلنا أطراف الحديث و أرقام هواتفنا المحمولة ، بعدها أخذت أتثاءب ...
لمحتُ "ريم" ترقصُ مع "أحلام" و هذه المرة لم تتلاقَ نظراتنا ؛ لستُ من أولئك الذين يسيئون الظن بالناس و لكن نادراً ما يكون انطباعي الأول عن الناس مخطئاً ، و فعلاً .. كنتُ مصيبة جداً بشأن "ريم" .. صديقة الطفولة.
كانوا يتحدثون و يضحكون بصوتً عالٍ .. و لكني لم أكنْ أسمع أي شيء ، في الحقيقة - لوهلة من الزمن - ظننت أني لوحدي ! ، "هَل تتحَققُ الأحلامُ بهذه البساطةِ !؟" هكذا كنتُ أتساءل بيني و بين نفسي و أقر كذلك بأن الأحلام ليست أبداً كالواقع ، المنظر لم يكن رائعاً فحسب بل كان خيالياً ، إلى هذه اللحظة و أنا أعتقد بأن تجربة "جنتنغ" لم تكن إلا حلماً من أحلامي الكثيرة ، و لكن هذه المرة أنا مخطئة جداً ، إنها واقعٌ مدهشٌ لا مثيل له ؛ لم أظن بأنها ستكون أروع التجارب في حياتي و أبهرها .. هي بالفعل كذلك ، صحيح بأني لمْ أطرْ .. و لٰكنّي وصلتُ إلى الغيوم ! نعم نعم .. لقد فعلتْ .
أصدّق بأننا في أحيان كثيرة ًنكونُ عاجزين عن التعبير ، تخذلنا الكلمات جداً و تلتهمنا مشاعرنا أحياء ، أنا أمر بهذا الآن .




هذه التفاصيل الصغيرة التي تجعلنا نُحب !

- هاجر حَمَدْ .


تَفاصيلْ !؟ هي بالتأكيد ليست عمالقُ الأشياء التي يركضُ وقتي خَلفَها و أضيعُ أنا بينَها ؛ أتفقُ معَ هاجَر ، أنا كذلك أؤمنُ جداً بأن التفاصِيل الصغيرَة تَجعلُنا نُحِبْ ، كَقهوةِ الصّباحِ التي تُرافقها ابتسامةٌ عذبة وَ يَسبُقها صوتٍ دافئٌ جداً حنونٌ جداً هامسٌ بأذني : "أيُّ حلمٍ مر بخيالكِ ليلة الأمس ؟" لأفتحَ عينايَ ببطءْ وَ ... أبتسِم ! .